القناة ـ محمد أيت بو
إن النقاش العمومي في المغرب، ليس دائما ذا أبعاد موضوعية يبتغي حلحلة المسألة المطروحة للنقاش من جوانب مختلفة ومتكاملة في آخر المطاف، بل في أحايين كثيرة يضمر تصفيات حسابات سياسية، تروم تسجيل نقاط على الخصم المفترض في المعادلة.
مناسبة هذا الحديث، النقاش الذي رافق تقرير مجلس المنافسة الأخير حول المحروقات بالمغرب، إذ ضرب عرض الحائط كل التأويلات السابقة حول تحكم ما يطلق عليه بـ”لوبيات المحروقات”، في خلاصات تقارير مؤسسة مستقلة ودستورية، مثل مجلس أحمد رحو، كما روج لذلك أطراف سياسية لتصفية حسابات سياسية ضد فاعل سياسي معين، وأخرى تحاول في كل مناسبة وحين “شيطنة” النقاش العمومي المطروح، الأمر الذي يدفعنا إلى طرح سؤال عريض ومهم هل نقاش المحروقات بكل ما له وما عليه نقاش اقتصادي واجتماعي محض أم سياسي بلبوس اقتصادي؟
صافي أرباح الفاعلين في قطاع المحروقات
عودة إلى تقرير مجلس المنافسة، الذي كذب كل القراءات والتأويلات التي سبقته منذ مدة، وخاصة فيما يخص صافي أرباح الفاعلين الاقتصاديين في قطاع المحروقات، رصد عكس ما تداولته منصات التواصل الاجتماعي وأطراف سياسية أخرى، عن ما أطلق عليه أرباح خيالية تذهب إلى جيوب المشتغلين في القطاع.
في هذا الإطار، أكد التقرير أنه “على مستوى أرباح مادتي الغازوال والبنزين، خلال الفترة الممتدة من 2018 إلى 2021، فقد تأرجحت بين حد أدنى 0.07 درهم للتر، وبحد أقصى 0.68 درهم للتر”.
و سجلت شركة Winxo أفضل هوامش الربح الصافية، من بين الشركات السبع الفاعلة في قطاع توزيع المحروقات، بمعدل 0.37 درهم للتر، و 0.68 درهم للتر. تليها شركة TotalEnergies Marketing Maroc، بهامش صافي يتراوح بين 0.2 درهم للتر، و0.45 درهم للتر، في مقابل حصول شركة Afriquia SMDC على أدنى هوامش الربح الصافي، وسط كافة الفاعلين في القطاع.
في سياق متصل، برأ التقرير “شركة افريقيا” التي دائما ما كانت موضوع النقاش على اعتبار ارتباطها بفاعل سياسي وحكومي رغم تحرره من مسؤولية إدارتها بعد توليه المسؤولية الحكومية، ـ برأ التقرير ـ الشركة من رفع أرباحها عبر التأكيد على أن “عائداتها تأرجحت بين 0.07 درهم للتر كحد أدنى في عام 2021، وبحد أقصى 0.16 درهم للتر في عام 2019، مؤكدا على أنه “على العكس من الهوامش الإجمالية القوية المسجلة في عام 2020، وباستثناء شركتي Vivo Energy Maroc و Winxo، سجلت الشركات الخمس المتبقية، هوامش ربح صافية أقل من تلك المسجلة خلال السنوات الثلاث الأخرى، وهي 2018 و 2019 و 2021”، ليضع بذلك حدا للجدل الذي تغيب عنه في غالب الأحيان الموضوعية في الطرح، وتطغى عليه نكهة المزايدات السياسية.
تقرير حمل أكثر مما يحتمل
في هذا السياق، قال الأستاذ الجامعي، عمر الشرقاوي، إن “تقرير مجلس المنافسة رغم أنه حمل أكثر مما يحتمل، ويستغل لتصفية حسابات سياسية ضد فاعل سياسي”.
وأضاف المتحدث ذاته، أن التقرير يعكس أمور مهمة من بينها، أن “خيار تحرير المحروقات من طرف حكومة عبد الإله بنكيران دون تدابير مصاحبة كان خطأ جسيما يقترب من الجريمة”.
وأضاف أن التقرير، أبان على أن “الاسعار المرتفعة للمحروقات استثنائية نظرا للسياقات الدولية”، كما أن “تحكم لوبيات المحروقات في تقارير مجلس المنافسة مجرد أسطورة ووهم، وأن المجلس قادر على إصدار تقرير موضوعي”.
وتابع: “أن هوامش ربح الشركات ينبغي أن تتضاءل لكنها ليست بتلك الاحجام كما كان يدعي المنافسون السياسيون”، مضيفا، كما “يختلف الهامش من مشغل إلى آخر ، لذلك لا يمكن أن يكون هناك اتفاق وتواطئ”.
واستطرد الشرقاوي، أن التقرير يعكس أن “ارتفاع أسعار المحروقات رغم أنها مرتفعة فهي تتناسب مع أسعار في باقي الدول نظرا لتأثير الأزمة العالمية، ويبقى هامش الربح محتاج للتخفيض لكن هامش الربح في حد ذاته يبقى مقارنة بباقي مكونات السعر”.
وخلص إلى أن التقري، أبرز أن “هناك حاجة الى اعادة النظر في المنظومة القانونية والتنظيمية الخاصة بالمحروقات”.
بين الموضوعية والنقاش الموجه
قال حسن أنفلوس، باحث إعلامي متخصص في الاقتصاد، إن “أي نقاش كيفما كان ويرتبط بموضوع من الموضوعات التي تمس الحياة اليومية للمواطنين، يكون دوما موضع نقاش موضوعي يلامس آثار هذا الموضوع وأسبابه وحلوله في العلاقة مع حياة المواطنين، كما يكون موضع نقاش سياسي بخلفيات معنية، حسب مرجعية كل خلفية”.
بالنسبة لموضوع المحروقات، يقول المتحدث، في حديثه مع جريدة “القناة” الالكترونية، إنه “من الطبيعي هو الأخر، في اعتقادي، أن يخضع لنفس المنطق، على اعتبار أن موضوع المحروقات موضوع الساعة وترتبط به عدد من الأمور إن لم أقل كل الأمور ذات العلاقة بالحياة اليومية للمواطن على مستوى المعيشة والقدرة الشرائية”.
وتابع: “ذلك أن مواد المحروقات تدخل في كل سلاسل الإنتاج، كمصدر للطاقة وكعامل أساس في دورة الإنتاج والاقتصاد بصفة عامة”، على هذا الأساس، يضيف أنفلوس “لابد أن يعرف هذا النقاش جدلا بين النقاش الموضوعي وبين النقاش “الموجه”.
واسترسل قائلا: “لكن لابد من القول أن الطرح الموضوعي في هذا النقاش لابد أن يلامس مدى تدخل الفاعلين في قطاع المحروقات، ومدى تأثيرهم، سواء في مواقعهم كمنتجين أو صناعيين، أو كفاعلين مباشرين متدخلين في القرارات السياسية وتدبير الشأن العام”.
وأضاف حسن أنفلوس، أنه “قبل التفصيل في هذا الجانب لابد من التذكير أن السوق الوطنية تضم فاعلين وطنيين وفاعلين أجانب في مجال المحروقات”، مشدد على أنه “لا يجب أن نجلد الفاعلين الوطنيين ونركز عليهم في النقاش سواء كان نقاشا موضوعيا أو موجها، دون غيرهم من الفاعلين الأجانب”.
وخلص المتحدث ذاته، إلى أنه “بالعودة إلى مدى تدخل الفاعلين في القرار السياسي، وربط ذلك بالرأي الأخير لمجلس المنافسة، لابد من القول إن الفاعلين في مجال المحروقات، الوطنيين أو الأجانب، لابد أن يعطوا إشارات ايجابية بعيدا عن كل التأويلات التي سبقت أو التي ستأتي، من باب ترسيخ مزيد من الثقة في الفاعل الوطني ومساهمته في الاقتصاد، وفي ممارسته للفعل السياسي وتدبير الشأن العام، مهما يكن هذا الفاعل وموقعه”.