القناة – متابعة
كتبت جريدة “الأهرام ” القومية المصرية أن الملك محمد السادس، قاد منذ توليه العرش سنة 1999 إصلاحات كبرى أحدثت تحولات عميقة وهيكلية شملت مختلف مناحي الحياة الاقتصادية، والاجتماعية والدينية والحقوقية في المغرب.
وفيما يلي نص المقال الذي نشرته “الأهرام” حمل عنوان “عيد العرش: مسيرة إصلاح وتغيير”:
وفاء صندي
احتفل المغاربة، الأسبوع الماضي، بالذكرى 23 لتربع الملك محمد السادس على عرش أسلافه. وهى مناسبة لتجديد البيعة، التى يمكن القول إنها رمز من رموز النظام السياسى فى المغرب المنبثق من الأصول الإسلامية، والقائم على عقد بين الطرفين: السلطان والرعية. والبيعة برأى المؤرخ المغربى عبد الكريم غلاب، وفق ما جاء فى كتابه التطور الدستورى والنيابى فى المغرب هى مصدر السلطة التى يتولاها الحاكم، وهى القوة التى يستمدها من الأمة، فلا تجوز له سلطة الحكم إذا رفضت الأمة مبايعته، واعتبارا لبيعة المظهر الرئيسى للعقد الذى يوجد بين الحاكمين والمحكومين والمتمثل فى سيادة الأمة.
ذكرى عيد العرش هى فرصة، أيضا، للوقوف عند أهم المحطات التى شهدتها المملكة تحت قيادة الملك الرشيدة، واهم الإنجازات التى تم تحقيقها فى مختلف الأصعدة.
وقد تميز عهد الملك محمد السادس، الذى تولى الحكم خلفا لوالده الملك الحسن الثانى فى عام 1999م، بقيادة إصلاحات كبرى أحدثت تحولات عميقة وهيكلية شملت مختلف مناحى الحياة الاقتصادية، والاجتماعية والدينية والحقوقية، بفضل رؤية وتوجيهات جلالته السامية، والتى انعكست لخطط شاملة ومشاريع كبرى تهدف للتطوير الشامل. من اهم السمات التى ميزت فترة حكم محمد السادس، هى طى صفحة الماضى (او ما يعرف بسنوات الرصاص) وإنجاح تجربة العدالة الانتقالية، وتحقيق التنمية الشاملة.
كما ان جميع الإصلاحات السياسية التى باشرها ملك المغرب ترمى الى دعم المسلسل الديمقراطى وبناء دولة القانون والحداثة وتعزيز حقوق الإنسان.فمنذ وصوله للحكم كان جلالته حريصا على جعل مشروع بناء مجتمع ديمقراطى وحداثى أولوية تتصدر اهتماماته، إذ جعل من دعم الممارسة الديمقراطية وإرساء قواعدها ودعم آليات اشتغالها، فى إطار دولة الحق والقانون، خيارا استراتيجيا يندرج فى إطار مشروع إصلاحى شامل يرتكز بالأساس على تحديث المؤسسات والهيئات السياسية ودمقرطتها وإصلاح المشهد السياسى الوطنى وتأهيله. ولمواكبة احداث 2011م، تبنى المغرب دستورا جديدا شكل تعاقدا جديدا بين العرش والشعب. وتم تنزيل الجهوية المتقدمة التى تعتبر تغييرا عميقا فى هياكل الدولة، ومقاربة عملية فى الحكامة الرشيدة.
فهى تمثل أنجع الطرق لمعالجة المشكلات المحلية، والاستجابة لمطالب سكان كل منطقة على حدة، لما يستجيب لمشكلاتهم وانتظاراتهم، من خلال الإصغاء للمواطنين، وإشراكهم فى اتخاذ القرار، عن طريق ممثليهم فى المجالس المنتخبة. استطاع المغرب بفضل رؤية ملك البلاد، أن ينال احترام المجتمع الدولى بفضل سياسته الخارجية المتوازنة والمبنية على الدفاع عن القضايا والمصالح الوطنية، وعلى نهج التعاون والتضامن، والمساهمة فى حل النزاعات وتحقيق السلم والأمن الدوليين.
ومن أهم ما حققه المغرب فى قضيته الوطنية الأولى هو الحصول على الاعتراف الأمريكى بمغربية الصحراء، وهو المسار نفسه الذى سارت فيه ألمانيا التى اعترفت بأن الحكم الذاتى مقترح ذو مصداقية، وهو ذات المسار الذى سلكته إسبانيا مؤخرا والتى أيدت فيه المقترح المغربى للحكم الذاتى باعتباره مبادرة قوية من شأنها أن تمنح لسكان الصحراء إمكانية تسيير شئونهم بأنفسهم، ومدهم بالموارد والاختصاصات اللازمة. كما استطاع المغرب كسب المزيد من الدعم الدولى بحيث باتت قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تتماشى بشكل اكبر مع التوجهات المغربية المطالبة بإيجاد حل سياسى توافقى لهذه القضية المزعومة.
أيضا، عمل المغرب على تنويع شركائه، وعدم الاعتماد فقط على الشركاء التقليديين، مما جعله ينفتح على فاعلين جدد فى الساحة الدولية، مثل الصين وروسيا. وسعى الى تكييف سياسته الخارجية مع المتغيرات التى يشهدها العالم من حيث تغير الأولويات وتنامى المخاطر العابرة للحدود، وحدوث تغيرات على مستوى موازين القوى الدولية والإقليمية.
على المستوى الاقتصادي، تميزت مرحلة الملك محمد السادس بقيادة العديد من المشاريع الكبرى منها ما هو مرتبط بمشاريع البنى التحتية (الطرق، المواني، المطارات، القطار الفائق السرعة وغيرها)، أو برامج النهوض بقطاعات استراتيجية كالفلاحة والصناعة والطاقات البديلة. وتفعيلا لمبدأ ربط المسئولية بالمحاسبة لا يتوانى الملك من انتقاد الأداء الحكومى عند كل إخفاق كنوع من المكاشفة التى تدفع نحو التغيير والإصلاح الذى يصبح فى مصلحة جميع المغاربة ويرتقى بمستواهم الاقتصادى والاجتماعي.
مسيرة الإصلاح التى يقودها الملك محمد السادس هى مسيرة عطاء لا تنتهي، ومعركة تغيير مستمرة من أجل تحقيق الأفضل ومواجهة التحديات فى عالم حافل بالمتغيرات. وخلال 23 عاما أبان محمد السادس رؤية ثاقبة وسياسات فعالة وقرارات وطنية ودولية شجاعة حفظت للمغرب مكانته فى مصاف الدول المتحضرة.